يوميات معلم في الأرياف الحلقة الرابعة
الواحدة بعد منتصف الليل
يوميات معلم في الأرياف ( الحلقة 4)
المعلم المريض
خرجنا من ادباي السابعة صباحا، وكنت أجلس كل مائة متر لأستريح، واصلنا هكذا حتي وصلنا قرية التيشطاية حوالي الساعة الواحدة زوالا. وفي الحالة العادية يستغرق الوصول اليها اقل من ساعة لكن المرض أثر علي بشكل كبير.
لما وصلنا مشارف القرية تفاجأت بعمرانها. منازل جميلة بل ومنازل مكونة من طوابق، تختلف تماما عن القرية التي قدمنا منها.
شرح لي المدير المختار ان مجموعة كبيرة من ابنائها تعيش في المهجر في فرنسا واوربا وحتى آمريكا، وان لهم نظاما خاصا، ويتعاونون في حل مشاكل القرية.
دخلنا على الطبيب وجلست عند الباب منهكا. فحصني وقال : هذه حمة الناموس ماجاء معلم جديد الى هذه المنطقة الا وأصابته.
اعطاني الدواء وقال لي: لابد لك من 3 او 5 حقنات ، كل يوم حقنة لكن لايمكن ان تعود الى القرية التي جئت منها فهي بعيدة وعليك ان تبقي هنا حتى ينتهي العلاج.
تناولت الحقنة وقد دفع المختار ثمن الدواء، فصاحبكم لم يحصل بعد على راتبه ولايعرف حتي كم هو….!
ذهبنا الى معلم في القرية إسمه المختار أيضًا، فوجدناه في بتيگه. إنه معلم قديم في القرية وأصبح يتقن اللهجة السنونكية وفتح حانوتا في أحد الأحياء وهو صديق للمختار مدير مدرستنا.
إستقبلنا بالترحيب وأكرم ضيافتنا، حضر لنا وجبة من مار مع اللحم لذيذة جدا ( الگراي اراهمالك نصاب تبارك الله، والين اعود مجموعة فأبلد إعدل ام انهارات، وكل منهم يحلف ان ماروه ازين من مار لوخر….). تغدينا مع المختار وقضيت كل الوقت وانا مستلق على السرير من شدة المرض، وفي المساء قال لي المختار : سنذهب إلى قرية الحاسي لبيظ فهي قريبة من هنا فيها معلم صديق، سنبقي عنده حتى تنهي العلاج.
ذهبنا الى سوق القرية وركبنا شاريت او صلتنا الى القرية بعد صلاة المغرب. إستقبلنا المعلم مرحبا بنا. وصلتها وقد اشتدت علي الحمى وآلام الرأس، حتى أنني لا أتذكر إسم المعلم ولا حتى صورة وجهه.
بعد وصولنا توافد علينا مجموعة من الزملاء يدرسون في قرى قريبة بلغهم ان معلما مريضا حل بالقرية. أذكر من بينهم واحدا إسمه محفوظ لأنه سبق وأن زارنا في قريتنا التي ندرس فيها. بعد وصول الزملاء جمعوا مبلغا ماليا واشتروا تلك الليلة دجاجتين ذبحوا إحداهما وحضروا عليها مع ماكروني عشاء لذيذا.
بعد العشاء اشتدت علي الحمى وأخذ جسدي يرتعش وشعرت ببرد شديد، فقلت لهم انني أريد مكانا دافئا لأنام فيه. المشكلة أن القرية لابيت فيها، يسكنون في الأعرشة فقط. فقالت ام الأسرة: لدينا هذه التكيت نستخدمها عادة لحفظ محصولنا من الزراعة ولكنها هذه الفترة خاوية وفيها (خبطة) يمكنه ان ينام فيها. رافقني الزملاء وهم يحيطون بي وانا البس غطاء وارتعش وعندما وصلنا مدخل التكيت اوقد أحدهم شمعة(ظواية) فرأيت جمرة الأرض تجري داخلها فرجعت إلى الوراء مذعورا وقلت لهم: لن أنام هنا أبدًا. ضحك بعض الزملاء ضحكات خفيفة لكنها ازعجتني لأن هذا ليس وقتها.
قال أحدهم : إذا نذهب به إلى اقسام المدرسة ينام فيها، فإستحسنوا الفكرة وكانت المدرسة بعيدة من القرية. بنى الزملاء قبة في أحد الأقسام واثناء ذلك كنت مستلقيا على الأرض من شدة الحمى. ادخلوني القبة بعد أن حملوني ولم أستطع النوم من شدة الآلام.
كان الزملاء حول القبة يتحدثون عن مشاكل التعليم وعن المعلمين الجدد. عند الصباح ذهبنا مبكرا حتى لاتفوتنا شريت( عربة الخيل) وهي ذاهبة إلى قرية التشطاية لآخذ الحقنة الثانية.
وصلنا القرية، اعطاني الطبيب الحقنة الثانية، وذهبنا الى المختار صاحب البتيگ وتناولنا الفطور معه وقضينا المقيل معه أيضا، وفي المساء رجعنا إلى القرية وبعد صلاة المغرب جاء الزملاء أيضا وأخذوا يبحثون عن الدجاجة الثانية ليذبحوها للعشاء فلم يعثروا عليها، وفي الآخير قالت أم الأسرة: الدجاجة ذبحناها نحن اليوم وحضرنا عليها الغداء، فغضب أحد الزملاء وقال لهم: كيف تذبحونها ونحن عندنا مريض، ماذا سنفعل اللية. بات معي الزملاء تلك الليلة أيضًا، فقد كانت نهاية الأسبوع.
بقيت هناك أسبوعا تقريبًا وتحسنت حالتي والحمد لله، يعيش سكان أدباي الحاسي لبيظ ظروفا صعبة مشابهة لظروف سكان قريتنا. في اليوم الثامن أعتقد قررنا الرجوع إلى القرية مشيا على الأقدام أيضًا وهي تبعد 5 كيلو مترات عن مكان عملنا. وفي نصف الطريق إلتقينا بالخليفة شيخ القرية قادم إلينا على عربة (شاريت) فركبنا معه وذهبنا إلى القرية.
بعد عودتي إلى القرية إستأنفت العمل وبعد 3 أسابيع تقريبا عاد إلي المرض أشد مماكان، قررنا أن أذهب إلى المدينة سيلباب عاصمة الولاية. أركبوني على حمار(سيارة إسعاف كما يمازحني أحد الأصدقاء) لكي أصل قرية أنخيل حيث تمر السيارة في الصباح. أخذ الخليفة شيخ القرية بأذن الحمار والمختار يسير خلفه وأنا بالكاد أستطيع الثبات عليه وكنت أتقيأ على لباسي وعلى ظهر الحمار أحيانا والمختار المدير يسير خلفي ويساعدني حتى لا أسقط…..
يتواصل