يوميات معلم في الأرياف الحلقة الثالثة

الواحدة بعد منتصف الليل
يوميات معلم في الأرياف
سنة 1999-2000 (الحلقة 3)
الظروف الصعبة

في القرية رأيت الفقر يمشي…..والمعاناة تتكلم….والألم يضحك…..!
إن الصورة التي يقدمها المعلم من خلال تجربتة في الريف لن تكون كاملة ولا صادقة إذا لم يتحدث عن المجتمع الذي درس فيه.
إن التعليم لايتوقف فقط على بناء حجرة او إثنتين وتجهيزهما وإحضار المعلم، بل هو عملية متعددة الأبعاد لن تكتمل وتحقق اهدافها دون توفر الحد الأدني من الظروف.
لايوجد في القرية مركز صحي ولا بتيگ ولا جزار ولا خباز ولا نشاط اقتصادي….!
فالنقطة الصحية الأقرب تبعد 5 كيلومترات ولا تتوفر وسيلة للنقل. يعمل رجال القرية في تحضير الفحم(لحموم) وهو عمل خطير على البئة وعليهم صحيا، اما النساء فلا نشاط إلا في فترة الزراعة بعد الأمطار.
كان الحصول على كيل من اللحم يتطلب ان تسير 5 كيلومترات على الأقدام إلى قرية عر أو التيشطاية….الغداء يحضر بالأرز فقط دون اللحم ودون الخضر….أماوجبة العشاء فلا أعرف كيف اصفها لكم.
تفاجأت بعد أسبوعين أو ثلاثة أن الأطفال يتغيبون مرتين أو ثلاثة في الأسبوع وعندما سألت أخبروني أنهم يذهبون لرعاية المواشي أو العمل في الحقول. في إحدى الحصص أغلقت باب القسم ووجهت خطابا شديد اللهجة إلى التلاميذ : قلت لهم أن من تغيب عن القسم لأي سبب من الأسباب حتى المرض فسأذهب إليه حيث يوجد وأجره بحبل إلى المدرسة ولن ينفعه أبوه ولا أمه….!
بعدها بأيام جاءني بعض الرجال يطلبون الإذن لأبنائهم، فقد رفضوا الذهاب إلى الحقل خوفا من المعلم الجديد، وكنت أرفض طلباتهم.
في إحدى الليالي عقدت بهم إجتماعا في المسجد بعد صلاة المغرب وكلمتهم في الموضوع وقلت لهم: لقد بنت الدولة مدرسة وجهزتها وجاءت بالدفاتر والكتب والأقلام مجانا وكفالة للتلاميذ، فما عليكم الا أن تساعدوا بتشجيع الأطفال وتركهم للتعلم، وقلت لهم ان مستقبل أطفالهم ومستقبلهم هم ايضا مرهون بتعلم أطفالهم، وأن الذهاب بهم إلى الحقل او الغنم لن يفيد في شيء بل على العكس سيضر الأطفال ….وقد كان الإجتماع في المسجد بحضور المدير المختار الذي لم يتدخل ولم يتكلم، وقد إقتنع الآباء بكلامي وتركوا الأطفال.
في بداية عملنا لاحظت كذلك أن المدير متهاون، خصوصا في مسألة الحضور في الوقت إلى المدرسة، فطلبت منه ذات يوم أن نبقي في المدرسة بعد حصة المساء لأن لدي موضوعا سأكلمه فيه، فوافق. بعد الساعة الخامسة جلسنا على مقعدين وقلت له: أنني لاحظت عليه ملاحظتين سأبديهما له،
– الأولى، لاحظت انك تتأخر كثيرا عن الوقت، فالمدرسة بعيدة عن القرية وانت لاتخرج من القرية الا الثامنة والنصف لتصل المدرسة التاسعة بدل الثامنة ثم يخرج التلاميذ في استراحة عند العاشرة ويذهبون الى القرية.
– الثانية ، انك تترك التلاميذ يذهبون الى القرية ولايعودون الا 11h وبالتالي يدرسون ساعتين بدل أاربع ساعات وهذا لايجوز، أنت المدير وعليك ان تكون نموذجيا. رد علي ردا ايجابيا وقال ان ذلك لن يتكرر….وفي اليوم الموالي أخذت حقيبتي المدرسية وخرجت إلى المدرسة السابعة والنصف فماكان منه الا أن خرج في أثرى لنصل المدرسة في الوقت.
واقترحت عليه توفير الماء بالمدرسة حتي لايضطر التلاميذ للذهاب الى القرية ويعودون متأخرين، وقد وافق على ذلك.
كانت ظروفنا المعيشية صعبة جدا مع أن السكان لم يقصروا رغم شظف العيش وشح الموارد.
في أحد الأيام في عطلة الأسبوع قررنا أن نذهب الى احدى القرى لشراء اللحم، وكان الأمر يتطلب مسيرة 10 كيلومترات، خمسة ذهابا وخمسة إيابا…..!
عدت من الرحلة منهكا وبعدها بأ يام أصبت بحمى شديدة وآلام في الرأس وكل الجسد….وبقيت 3 أيام طريح الفراش…لا أصلي إلا جالسا وبالكاد أستطيع الجلوس…..!
بعد الأيام الثلاثة إشتد المرض فقررنا ان نذهب الى الطبيب في قرية التيشطاية 5 كيلومترات ومشيا على الأقدام.
خرجنا من القرية السابعة صباحا مشيا على الأقدام وكنت أجلس كل مائة متر تحت شجرة لأستريح….!
يتواصل

الدكتور المصطفى افاتي
زر الذهاب إلى الأعلى