يوميات معلم في الأرياف الحلقة الثانية

الواحدة بعد منتصف الليل

يوميات معلم في الارياف ( الحلقة 2 )
“معلم كامل السلطة”


وقف الجميع لاستقبالي بمافيهم مدير المدرسة المختار الذي تعرفت عليه في الطريق واقنعني بالعمل معه….تعانقت والمختار بحرارة وقال لي: شكرا على المجيء والوفاء بالإلتزام…..
سلم علي الجميع وجلست تحت لمبار نتجاذب اطراف الحديث.
قال الخليفة شيخ القرية : نحن يواجع فترة الخريف لاتمر علينا السيارة لأن الاودية تمتليء بالمياه ولم يعد لنا من طريق غير قرية انخيلة.
ذبح الخليفة ديكا وحضروا الطعام واثناء ذلك سرقني النوم من شدة التعب. استيقظت حوالي الساعة الخامسة مساء، قدموا لي الطعام، وبعدما فرغنا من الأكل حضروا الشاي فاعتذرت لأنني لا اشرب الشاي، فتعجبوا من ذلك….!
ودعنا الرجل الذي اوصلني الى القرية وشكرته وكذلك فعل الخليفة. ادخلوا صمصونت الى الغرفة الوحيدة وبدأت الاسترخاء…..وفي الليل جاء رجال القرية لسلام علي.
استرحت 3 ايام حتي يتم تنظيف المدرسة وتجهيزها. وفي اليوم الرابع ذهبنا الى المدرسة وكانت تبعد مسافة كيلومتر تفريبا من القرية، فهي بين 4 قرى، لذلك كانت في الوسط بينها جميعا.
وقفت امام الباب انظم التلاميذ في الصف قبل الدخول، ولكم ان تتخيلوا ذلك الشعور الذي انتابني وانا اقف امام التلاميذ لأول مرة كمعلم كامل السلطة.
دخل التلاميذ ووقفت امامهم مزهوا وهم ينظرون الي بكل تقدير واستغراب…… لحظات لاتقدر بثمن ولايعرف قيمتها الا من عاش نفس الموقف. لقد كبر ذلك الطفل الذي كان يحلم ان يصبح معلما، وهاهو يخطوا خطواته الاولى بثبات وثقة وعزم ووطنية.
سأكون معلما نموذجيا وساخدم وطني بصدق واخلاص.
في تلك الفترة لا أفكر في الراتب ولا العلاوات ولايهمني هل دفعوه ام لا.
كانت الحجرة بمثابة عرش انا الملك فيه وقد انتزعته بجد واخلاص لافضل لأحد علي فيه الا المولى عز وجل وعزيمتي وارادتي وقلمي والحمدلله.
نعم مهنة التعليم شريفة وعظيمة وهناك من يدخلها بحب وارادة صادقة رغم الظروف والصعوبات.
عند انتهاء الوقت دق الجرس بأمر مني وانا واقف بالباب استمتع بتلك اللحظات الجميلة على وقع رنات الجرس الرائعة….. وربما ترك لي المدير المختار الأمر حتى لايضيع علي الفرصة بعد ان خلف وراءه سنوات من العطاء.
خرج التلاميذ مسرورين وانا اراقبهم وارى فيهم طفولتي ايام المرحلة الابتدائية. كان يوما رائعا لم اعرف له مثيلا حتي انني لم اشعر نفس الشعور وانا اقف امام الطلاب كاستاذ للعلوم السياسية في اول يوم بجامعة نيوما بفرنسا 16 عشر سنة بعد ذلك.
رجعنا الى القرية وكان الجميع يراقبنا….ولا اخفيكم انني كنت مزهوا واحس بشيء من الاعجاب من خلال نظرات السكان…..نعم انه اول يوم للمعلم الجديد وحق له ان يعيش لحظات السعادة….وصلنا الى الغرفة وتناولنا الغداء قبل ان نعود الساعة الثالثة…..قبل الثالثة خرجنا الى المدرسة وكان الجو حارا، فشهر سبتمبر يتميز بارتفاع درجات الحرارة في المنطقة.
دخل التلاميذ وكانت الحصة المسائية كحصة الصباح وبنفس الشعور، وتمنيت ان ترى امي الغالية ذلك المعلم وهو عائد من المدرسة يحمل حقيبته ويسير مرفوع الرأس…..
توالت الايام والاسابيع وبدأت اكتشف جانبا آخر من حياة سكان المنطقة الذين يعيشون ظروفا صعبة ….. فلانقطة صحية ولا متجر ولا تعاونية…..ولاجزار ولا نشاط اقتصادي، حيث يحضر الغداء بدون اللحم وهو امر صعب على من ترعرع في المدينة ولايعرف حياة الريف.
في القرية رأيت الفقر يمشي والمعاناة تتكلم والألم يضحك…….
يتواصل

الصورة يوم حفل تخرج دفعتنا من مدرسة تكوين المعلمين بلعيون 1998-1999.
الواقف من اليمين صديقي القطب محمد كان معي في سيلباب والآخر حسني ولد ابشيرى مازال معلما
والجالس بجانبي لا اتذكر اسمه. اما ذاك ال تاكي صديقي وزميلي المقرب اثناء التكوين احمد حسن ولد عابدين اصبح أستاذا
زر الذهاب إلى الأعلى