حول تجديد أمر الدين / الحسن مولاي علي

يجد المرء نفسه مضطرا أحيانا، وعلى جهالة فيه، للفت انتباه بعض النخب، بينها متفقهة ومتصوفة وخريجون من حملة العناوين الأكاديمية الباذخة، لفت انتباههم إلى أساسيات في الدين، منها فرق ما بين الأصول السماوية المنزلة لرسالة الإسلام، كتابا وسنة، وبين التراث الأرضي لشعوب الأمة، خلال معركتها الدائمة لمواجهة الأفراح والأتراخ، والانتصارات والانكسارات والإكراهات والمصائب والنوازل والمتغيرات الأرضية، بالعزائم والرخص طبقا لضوابط ومقتضيات ثوابت السماء.


ليست غايتنا أن نعلم تلك النخب دروسا، هم ومن علمهم أدرى بها منا، بل الغاية تذكيرهم، والذكرى تنفع المؤمنين، بأن أصل أصول الإسلام هو القرآن الكريم, وهو كما وصفه منزله: {وإنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}، أما من أنزل إليه فقال لنا عنه: «.. كتاب الله فيه نبأ من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبر ما بعدكم.. هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أصله الله..» وهكذا فشأن المسلم مع هذا القرآن هو تلقىه عن منزله، باعتباره رسالة منه إليه، ثم تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وتدبره كما أمر الله، ثم الإيمان به والطاعة له .


بعد الذكر الحكيم، تأتي السنة المطهرة، أصلا ثابتا بالوحي، كتابا وسنة، والمراد بها ما صحت نسبته، يقينا أو بغلبة الظن، من قول أو فعل من لا ينطق عن الهوى،  فهو مبلغ الرسالة، النذير المبين، وهو الشهيد على أمته؛ وأعلى السنة واندرها المتواتر،  ثم الصحيح وهو رواية العدل الضابط عن مثله، إذا سلم متنها من الشذوذ، كمعارضة الأقوى، ومن العلة وهي قادح غامض خفي يمنع صحة المروي. وما يشترط في صحة الرواية هو شرط حسنها، مع قبول التساهل في درجة ضبط العدل الراوي، وهكذا، فما لا خلاف فيه من المتواتر والصحيح والحسن، هو أصل السنة المنزلة، وشأن المسلم معه التمحيص والتدقيق والسمع والطاعة، مالم يكن في الرواة ضعف أو في المتن شذوذ أو علة قادحة.
دين الله المنزل، إذن، هو كتاب الله وسنة رسوله وبهما، لا بغيرهما الإلزام؛ أما ما خلا الأصلين من حصيلة تعاطي الأمة معهما، عبر تقلبات الأزمنة والأمكنة والأحوال والبيئات والوسائل والمفاهيم والمعارف، واختلاف المذاهب والفرق والطوائف، وتناقض الفتاوى والأقضية في النوازل والأقدار والمصائب، فهو تراث الأمة الغني الزاخر، وجبل مفاخرها الأشم، ولكن ليس لشيء من ذلك صفة الإلزام، فهو ليس ذات الدين، بل هو أثار التدين، عبر التاريخ، ضمن اشتراطات زمكانية هي في الأغلب الأعم منقرضة،


من هنا، ومن هنا فقط، جاءت الدعوة لمراجعة المتون الفقهية المقررة في مناهج الدين، وصقلها من ابتلاءات السابقين التي انقرضت بانقراضهم، وإعادة ربط الفقه بالوحي المنزل، ووقف اجترار واستنساخ أقضية وفتاوى باتت معزولة عن كل مسوغاتها الزمكانية، وترك استنتاجات وقياسات مبنية على معطيات شائعة في معارف الأولين، ثم أظهرت الفتوح العلمية تهاويها..


تلك هي مسوغات دعوة من دعا إلى إعادة النظر في تراث الأمة، وهي دعوة حق، لا تلمس قداسة الذكر الحكيم، ولا تستهدف النيل من سنة رسول رب العالمين، ولا تنتقيص من سلف الأمة والعلماء المجتهدين، بل تىيد إعادة الاتصال بالوحي كتابا وسنة، على المستويات العقدية والعملية، تحقيقا لتجديد أمر الدين، كما بشر به صاحب الرسالة. الخاتمة، عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم.

زر الذهاب إلى الأعلى