فخامة الرئيس…برنامجكم طموح ولكن / أحمد ولد مولاي امحمد

عن أبي رُقية تميم بن أوس الدَّاري أن النبيَّ ﷺ قال: الدِّين النَّصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم. رواه مسلم.

روى الطبراني في “المعجم الكبير، قال:  حدثنا خليفة بن خياط ، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا هشام بن سعد، عن محمد بن عقبة، عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يكون أمراء ، فلا يرد عليهم، يتهافتون في النار يتبع بعضهم بعضا ».

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه. فالمعصوم من عصم الله تعالى”. [صحيح البخاري، 6611 و7198 ].

وفي رواية هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من والٍ إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وُقي شرها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه منهما).

وجاء في “فتح الباري بشرح صحيح البخاري” للحافظ ابن حجر العسقلاني ( ج: 13، ص: 202 ): البطانة: الدخلاء، جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدّقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه.

وعن عُمَر بن الْخَطَّاب – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أنه قال :” شاور في أمرك الَّذِينَ يخافون الله، احذر بطانة السُّوء وأَهْل الرَّدَى على نفسك “.وإن أحد أسباب تمادي الظلمة في ظلمهم هم بطانة السوء وإعانة بعض الرعية الظالم على ظلمه.

وجاء في “أنيس الجليس”(42):” إن السلطان إذا كان صالحاً؛ ووزراؤه وزراء سوء منعوا خيره، فلا يقدر أحد أن يدنو منه، ومثله في ذلك مثل الماء الطيب الذي فيه التماسيح، لا يقدر أحد أن يتناوله وإن كان إلى الماء محتاجاً، وإنما الملك زينته أن يكون جنوده ووزراؤه ذوي صلاح؛ فيسددون أحوال الناس؛ وينظرون في صلاحهم”.

فخامة الرئيس، يُحتّم علي الدين، و”الدين النصيحة”، وكذلك أحوال مواطني بلدي، وهم في الوضع الذي لا يفوتكم، وتكالب أصحاب المصالح الشخصية ممن لا يهمهم أمر هذا الوطن ولا الشعب، كل ذلك وغيره حتّم علي أن أكتب هذه الكلمات، عساها تجد لديكم آذانا صاغية، فحقكم علينا السمع والطاعة وواجبنا اتجاهكم إخلاص النصيحة، كما في الحديث الشريف المشار إليه سابقا.

إن واقع بلدنا منذ ما بعد انقلاب 1978 يفرض على كل غيور على هذا “المنكب البرزخي” أن يبذل ما في وسعه لإنقاذ ما أمكن إنقاذه وإعادة بناء دولة مواطنة، وقانون ومؤسسات حقيقية تضع خدمة المواطن ورخاءه في أولويات اهتماماتها وتلفظ كل فاسد مفسد منافق من بطانة السوء التي زينت لمن قبلهم، ولكم، ما وصل إليه بلدنا وشعبنا من أوضاع متردية ما كان لها أن تكون لو سلك من سبقوكم طريق الاستقامة والنزاهة والعفة والنصح لأولي الأمر والدفاع عن مصالح الناس لا يخافون فقدان منصب ولا امتيازات وإنما يحرصون على الصدق والإخلاص لتقدم البلد ورخاء المواطن.

فخامة الرئيس، لن أحدثكم عن الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا الشعب افتراضا من معادن الحديد والذهب والنحاس وغيرها، والثروة السمكية والحيوانية الهائلة، والإمكانات الزراعية الكبيرة وووو، ولا عن عدد سكان هذا الوطن، الذي يمكن أن يقيم بكامله في أحد أحياء مدينة الإسكندرية في مصر الشقيقة، ولا عن إهمال الأنظمة المتعاقبة الاستثمار في المصادر البشرية وتنمية العقول، فأنتم أدرى مني بكل ذلك، وتملكون بالأرقام والبيانات الدقيقة ما لا تملكه أكبر وأعرق مراكز البحوث والدراسات المهتمة بقضايا التنمية في بلدي، لكنني سأعيد الحديث عن بطانة السوء، تلك التي تحيط بكم اليوم من كل مكان، وتتحكم في مفاصل الدولة،  وتحاول أن تقنعكم بأن “الأمور بخير” وأن الشعب “في أحسن حال”، ولو قيض الله لي أن رافقت فخامتكم إلى أي مكان من هذا الوطن، حتى ولو كان أحد أحياء عاصمتنا “الفتية” لأدركتم حجم كذب جل المحيطين بكم ونفاقهم وتلفيقهم، تقربا لكم وسعيا للحفاظ على امتيازاتهم ومكاسبهم الشخصية الأنانية الصرفة. حيث ستكتشفون أن آلافا من مواطني بلدكم لا يجدون قوت يومهم إلا بشق الأنفس، هذا إن وجدوه أصلا، وأن أغلب هؤلاء يكتفي بوجبة واحدة، إن وجد لها سبيلا، من الوجبات الثلاث، لأنه بالكاد يستطيع تأمين وجبة واحدة غير مكتملة. فهل يعقل، فخامة الرئيس،  أن بلدا يملك كل الموارد الهائلة التي نعرفها جميعا يبيت آلاف من مواطنيه جوعى، وأن الكثير من مواطنينا لا يستطيعون الاستفادة من الخدمات الصحية لأنهم لا يملكون تكلفة التشخيص في مستوصف أو مركز صحي عمومي أحرى ثمن الوصفات الطبية!!، وأن كل الخدمات إما متردية للغاية أو تنقصها الرعاية والاهتمام وفي كل المجالات والقطاعات بلا استثناء، ولا أدل على ذلك من أزمات الشاي الصحية بالدرجة الأولى، والخبز المغشوش وفساد الأدوية، وتردي خدمات الصحة والتعليم والإعلام وغيرها، وأن القطاعات الوزارية تسيطر عليها لوبيات الفساد والزبونية والمحسوبية بصورة مهولة، لدرجة أن البعض لا يفترض إمكانية تنفيذ إصلاح جدي وإقلاع حقيقي ما لم “نستورد كفاءات وطنية من المهجر لتشكيل حكومة تكنوقراط تمسح الواجهة برمتها” وتعتمد على الشباب والكفاءات الوطنية المغيبة والمهمشة لصالح أبناء النافذين.

فخامة الرئيس، قد يبدو تغيير الواجهة السياسية بالكامل أمرا شبه مستحيل بل وحتى غير عملي، لكننا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن نواصل مسلسل الانحدار للهاوية، وإما أن نقلع بالبلد وننهض به، وفي الحالة الأخيرة لا بد من تغيير جذري للواجهة السياسية وللحكومة الحالية والابتعاد، في تشكيل أي حكومة كفاءات وطنية، عن آراء المتزلفين الذين هم بطانة السوء المنهي عنها في شرعنا الحنيف.

فخامة الرئيس، إن معظم من يحيطون بكم، ويُثنون عليكم اليوم، كانوا بالأمس يثنون على كل الرؤساء الذين سبقوكم، ويؤلهونهم، وما زال أرشيفنا السياسي يحتفظ بمدائحهم وإطراءاتهم وثنائهم على من سبقوكم، وها هم اليوم انقلبوا عليهم ولم يعد لهم مكان في قلوبهم ؟!، ويمكننا في هذا المقام تقديم أمثلة وشواهد حية على ذلك، لكنكم لستم بحاجة إلى ذلك فقد كنتم ضمن دائرة صناع القرار منذ عقود وتدركون أكثر من غيركم كل ذلك وأكثر، وتحفظون الوجوه والأسماء والوقائع، فما الذي يضطركم للاعتماد على أصحاب سوابق في النفاق والتملق ونهب ثروات المواطنين ؟! وهل تعاني بلادنا عقما في إنجاب الأوفياء والمؤتمنين؟!

إن هؤلاء الذين يشيدون بكم وبكل ما تقومون به أو تلفظونه من قول، سينقلبون عليكم غدا وسيقولون عنكم ما لم يقله مالك في الخمر، ليس لأنكم كذلك بل لأن تلك هي سجيتهم ومنهجهم في الحفاظ على امتيازاتهم ومكاسبهم مع كل حاكم يتولى شؤون البلاد.

فخامة الرئيس، لقد انتصفت مأموريتكم في الحكم، وكان برنامجكم الانتخابي شاملا وطموحا، فأين وصل تنفيذه؟ وهل تحقق ما كنتم تصبون إليه من مكاسب وإنجازات لهذا الشعب الصبور؟ وللحقيقة، فإنكم وضعتم تصوركم للإصلاح خلال هذه المأمورية، وتطلعتم لتنفيذه، لكن هؤلاء الذين تعودوا الغش والتدليس والنفاق قدموا لكم صورة مغايرة عن مدى تقدم برنامج “تعهداتي” في كافة المجالات، وأنتم اليوم تدركون أين وصل بالفعل تنفيذ هذا البرنامج الشامل وما الذي تحقق منه، فمعظم ما تحقق منه لم يتجاوز الوعود، مع استثناءات قليلة، وغدا، حين تنتهي المأمورية، ستجدون أن الشعب أصبح في مرحلة متقدمة من الوعي ولم يعد يقبل بالوعود التي لا تتحقق، فبادروا، فخامة الرئيس إلى إنقاذ ما أمكن وإعادة تصحيح المسار وإرضاء مواطنيكم، ولا تلهينكم بطانة السوء في ملفات سياسية ثانوية أخذت من وقت الجميع ما ضيع عليكم وعلى البلد فرصة تحقيق المكاسب التي كنا جميعا نتطلع إلى تجسيدها في إطار برنامج “تعهداتي”.

أتمنى أن تتم تسوية كل الملفات العالقة، بما في ذلك ملف الرئيس السابق، وفق القانون، وأن تباشروا عملية البناء والتنمية بالاعتماد على نخبة من المخلصين وأصحاب الكفاءات الذين حافظوا على ماء وجوههم ونظافة أيديهم ولم يكونوا قط من أصحاب السوابق في التزلف والخديعة والنفاق والتلاعب بمصالح الوطن وعقول المواطنين.

وأعود فأذكرك بالحديث الشريف: “ما من والٍ إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وُقي شرها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه منهما”. [ صحيح سنن النسائي للألباني، 4212 ].

زر الذهاب إلى الأعلى