وثيقة “المستعار” | سيد احمد ولد التباخ
اتضحت الصورة وبانت الحقيقة.
جاء بيان وزارة العدل ناسفا ماعول عليه البعض في صناعة فضيحة عامة والرجوع للمشهد السياسي من خلال وثيقة متخيلة يستحيل إداريا وتنظيميا أن تكون موجودة بالطريقة التي روج لها.
فشلت الخطة الأولى فجاء الدور على المخطط البديل.. حان وقت العالم المظلم.. دقت لحظة استنفار عالم الافتراض لتظهر وثيقة “المستعار” – على حساب مستعار في هذا الفضاء – جاء ليقدم تحليلا مرتبكا مشحونا بأسماء منظمات غير موجودة واختصارات اقتصادية غير معروفة لا على مستوى الرقابات المالية في العالم، ولا على مستوى التفتيش المصرفي، ولا هي حتى معروفة لمحركات البحث على شبكة الانترنت.
العالم صغير جدا، بل هو قرية واحدة كمايقول منظرو العولمة، ولايمكن أن يكون النظام المصرفي الموريتاني بكل هذه الدرجة من السوء ومن التبييض والتهريب ولاينتبه لذلك غير تيار سياسي وطني واحد (يترنح حاليا ومصاب بالعمى غير العضوي)، بينما جميع شركاء موريتانيا في التنمية والاقتصاد، والشركات الاجنبية الموجودة بموريتانيا يتعاملون يوميا من خلال هذا النظام، ولاتوجد لديهم ملاحظات، ولم تتوقف يوما اي معاملة مصرفية أو أي تمويلات او استثمارات على اي مستوى بسبب ملاحظات على المعاملات البنكية الموريتانية أو بسب وضع موريتانيا في خانة البلدان المصنفة بلدان تهريب عملات وتبييض أموال..
قلت إن العالم صغير جدا وأهله متقاربون ومتجاورون، وبالضرورة فأهل البلد هنا اكثر تقاربا وتعارفا، وأهل البلد هنا يعرفون جيدا هوية التيار السياسي الذي يقود جهازه الاعلامي حملة ضارية منذ فترة ضد النظام المالي والمصرفي الموريتاني وله في ذلك ثارات وحسابات على أساسها تتشكل مواقف سياسية جديدة الهدف منها تعويض ما فات والاستفادة من الموجود والعمل لأجل القادم.
هذا الهجوم – المرتب بعناية والمنظم بدقة – على النظام المصرفي وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام تشكل من ميلاد تحالف غريب بين ذلك التيار الكاسد وبين مجاميع تتبع لمن مص الضرع وافسد الحرث واتى على اليابس والأخضر خلال عشر عجاف.
التيار والمجاميع اتقنوا حرفة الهجوم والتشهير واجادوا محاولات ارباك المشهد السياسي الوطنى وخلق ضجة اعلامية قبيل التشاور الوطني المرتقب بين الفرقاء السياسيين في البلد.
لاأستطيع أن افهم – عد ان أقبل او أتقبل – ان نخب موريتانيا وقادة الرأي فيها ونخب المعارضة الوطنية وفيهم اساتذة اقتصاد وملاك مصارف، غير معنيين بهذه الوضعية، ولايشغلهم “التقرير” ولا “التحليل” عن الوضع المصرفي في البلد، ووحدهما ذلك التيار وتلك المجاميع مشغولون بمستقبل البلد وقلقون جدا على نظامه المصرفي وعلى سلامة تصنيفه الدولي.
يصعب قبول هذا وفهمه، لكن لابأس، فشرط النهايات تصحيح البدايات، ومن يقدم نفسه اليوم حريصا على اقتصاد موريتانيا وقلقا من التبييض والتهريب عليه أن يخبر الموريتانيين عن فضائحه التي لاحقته من “آكرا” الى “بوزنيقة”، وعن الارصدة المعلومة والمجهولة في مختلف اصقاع العالم، وعليه أن يحكي للموريتانيين عن غسيل الامول في سوق العقار والتهريب عبر المطار وعبر الدوائر العائلية المقربة، والأخبار التي ينكت بها العالم عن نساء واطفال قصر يشترون العقار في أغلى عواصم العالم ويحملون الأموال في الحقائب في صورة سيئة من صور التهريب والنهب لم يسبق لها نظام في تاريخ هذا البلد.
لا بأس ايضا بالنسبة لحليفه الجديد التيار السياسي الكاسد – الذي يتواتر الجميع على مصادر تمويله وطرق غسيله للأموال في تجارة الاثاث والادوية وفي جمعيات الخير والعمل الانساني – أن يخبر الموريتانيين، عن جمعية خيرية تكفل خمسة او ستة من الأيتام والارامل وتصلها تحويلات بمئات ملايين، وواجهتها مجرد مكتب عتيق في حي بسيط من العاصمة.
عليه ان يحدث الموريتانيين عن غسيل الأموال وتبييضها إن لم يكن ما يمارسه هو غسيلا للأموال وتبييضا لها. أم أن اضفاء الشرعية على المال الحرام مجهول المصدر تكفيها “فتوى” موقعة تم دفع ثمنها مسبقا؟
يقول المثل الشهير ما معناه أن من نصحك فأنظر الى واجهة منزله، والمقارنة البسيطة بين واقع البلاد ونظامه حاليا من جهة، وبين أيتام النظام السابق، والتيار السياسي من جهة اخرى تكفي لنسف كل هذا الهراء.
المعروف ان هذا التيار كسدت بضاعته في بلد المنشأ ويعيش أيامه الاخيرة في الاطراف، فبعد قطع الرأس في مصر وتعذيب الجسد في تونس وتوقيع شهادة الوفاة في المغرب، وكل ذلك بسبب انكشاف زيف شعاراته واكتشاف حقيقة اهدافه، فأمسى ابعد ما يكون عن من يحرص على اقتصاد موريتانيا وثرواتها من نظام وطني انتخبه الموريتانيون وارتضوه لحكمهم.
اخيرا، المراهقة في السياسة لاتصنع القادة ولاتعطي التأثير.. الحضور السياسي والتأثير يكون بالتراكم ولايتأتى بالصدفة أو بضربة حظ.. يحدث ذلك فقط في عالم التهريب وغسيل الاموال.