مع وزير الصحة / عثمان جدو
أي منا لم يفقد شخصا غاليا بسبب الأدوية المزورة؟ أوبسبب أدوية لا تناسب حالته الصحية؟ سواء كان أخا أو أختا أو ولدا أو والد..؟، وأي منا لم يتألم لصديق طفولة أو لزميل في المهنة أو لجار؛ تضاعفت معاناتهم وازدادت حالتهم الصحية صعوبة بفعل تقصير طبي أو إهمال أو رعونة، تصاحب كل منها قسوة وفظاظة لحظة وجوب الترحم والترفق بمريض يعاني..؟
لقد فتح وزير الصحة الدكتور *نذيزو* باب الأمل الكبير عندما وفقه الله تعالى –أولا- لعقد العزم على إصلاح قطاع الصحة وبالتالي مواجهة ديناصورات الفساد داخل القطاع الملاصق أكثر من غيره لحياة المواطنين، الموصِل لأكثرهم في السنوات الأخيرة حافة القبر.
كلكم يتذكر شخصيات على قمة الرفعة والأهمية أودت بها هذه الأدوية، نتذكر عالم الرياضيات العالمي ولد حامدن وكيف أسرعت به المنون عندما تناول دواء مغشوشا!، وطبعا مازال حديثنا عن السياسي الكبير مستشار الوزير الأول حينها: ولد أحمد شللا الذي تضاعفت عنده مشاكل التنفس يتردد في الآذان، وقيل لحظتها أن سبب ذلك جرعة تخدير زائدة!.
عندما يكون الضحية، ضحية الإهمال والتقصير وتزوير الأدوية من الشخصيات العالية فالطامة كبرى والمشكلة عظمى، فالضحايا من مدن الريف وبقايا أحياء الصفيح لا يتذكرهم ذاكر ولا يتوقف عند ما يلحقهم من أذى ناشط ولا مبادر؛ لأن وفياتهم هي عنوان الرحلة اليومية التي يتخللها المستشفى وتبدأ بالمنزل وغالبا ما تنتهي إلى الهجرة خارجا لزيادة المعاناة؛ لكن بنهاية أرحم، أو إلى القبر عند فوات أوان العلاج وهو الأكثر، وتطوى صفحات كثيرة يوميا؛ تسليما للقدر، وصرفا للنظر عن المتابعة، تلك المتابعة التي تغيب بغيابها الجدية والمهنية ويتلاشى بعدمها تحديد المسؤولية القانونية والمساءلة القضائية، وبذلك نصنع طواغيت طبية تقتل ولا ترحم، تحرم ولا تمنح، كما نصنع في السياسة طواغيت سياسية، ننميها بالنفاق والتملق والإطراء ثم التأليه السياسي.
لقد بادر وزير الصحة إلى إصلاح قطاعه باعتماد خطوات أولية محددة تقريبا في ست نقاط هامة جدا وجوهرية لا انفكاك لإحداها عن البقية، ولأن التجربة الموريتانية علمتنا أن الإصلاح إن لم يكن كلا من أجل الكل؛ سيتساقط كوريقات الشجر تنازلا وتحايلا ومجابهة وتسفيها وشيطنة..
إن علينا جميعا أن نقف صفا واحدا مع السيد الوزير ونشد على عضده ونجعل أيدينا جميعا في يده ونتبنى كل النقاط التي حددها ونرعى تنفيذه لذلك دون تراجع أو تخاذل، فلا يعقل أن توجد صيدلية أو عيادة دون ترخيص، وهو الشرط الذي ولَّد غيابه فوضى عارمة تحول بموجبها الدكان إلى صيدلية والبقالة إلى عيادة، وتحول المتقاعد حيث هو إلى طبيب جامع متخصص في كل الأمراض ومتفنن في منح كل الأدوية!!، ثم إن عدم الالتزام بالمسافة القانونية أحدث اختلالا في التوزيع الجغرافي عمّق المشكل فصار العنوان مزاحمة فقط؛ وليتها كانت مزاحمة نحو الجودة وتقديم الأفضل.
كثير من الصيدليات -خاصة- لا يوجد بها صيدلاني بل تكتفي بطالب مازال يطارد الباكلوريا أو وافد من البادية سُلِّم لأقدم منه كي يُجاوِزَه مُستعصي الأسماء من الأدوية!. أما عن معايير الحفظ فحدث سلبا ولا حرج؛ إذ في الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء يوميا لا تشاهد لهؤلاء بديلا يوفر التبريد الضروري للأدوية في مدن سِمتها الأولى درجات الحرارة المرتفعة والجو الجاف، وعن جودة الدواء يكفي استشهادنا في بداية هذه السطور بالشخصيات التي غدرت بها هذه التصرفات القادمة من مركز الأمان بالنسبة لهم، وحقا قيل قد يؤتى الحذِرُ من مأمنه، وعن تاريخ الصلاحية ينبئك تصرف تجار الأدوية في العاصمة وفي أقصى المدن الشرقية بحجم الكارثة، ففي النعمة تخلص أحد هؤلاء المجرمين من كميات كبيرة من هذه الأدوية منتهية الصلاحية وقد تكون زيادة على ذلك مغشوشة تماما؛ تخلص منها في غفلة من الجميع لما أحس الجدية في الإجراءات الحالية، وغير هذا كثير ففي العاصمة أغلقت دكاكين كانت معنونة عناوين صيدلية أو بأسماء لمصحات وهمية؛ خالية من كل الضوابط والتزامات المعيارية.
إن فساد قطاع الصحة في بلادنا نار اكتوى بها كل مواطن من القمة إلى القاعدة؛ لقد باع هؤلاء الموت لأكثر من حضر إليه يطلب الحياة، لم يسلم بيت موريتاني من زرع الألم داخله وقت خروج طالب الأمل منه، لم تميز هذه الظاهرة بين بيت الفقير والغني ولا القوي من الضعيف ولا بين بيت الرئيس والمرؤوس، كلنا يعي ذلك والرئيس الحالي أدرى به من أي مرؤوس وربما تكون حرقته أكبر من غيره، وحسرته أعمق، ومن هنا تتولد غيرتنا جميعا ويستوجب علينا وزير الصحة الدعم والمساندة، حتى تكون الصحة صحة ، ويكون طالب الحياة لا يقابل بعقاقير الوفاة.