حلم الاكتتاب!!! / محمد سالم حبيب
أتعجب لم لاتفتتح الدولة مسابقة، لاكتتاب مكوني مدارس تكوين المعلمين، أمام آلاف المعلمين حملة الشهادات؟؟؟
خاصة، إن علمت أن مدارس تكوين المعلمين- وخصوصا منها الموجودة في الداخل- في أمس الحاجة إليهم.
والأعجب من ذلك إن علمت أن آخر اكتتاب لهم منذ ما يربو على خمس عشرة سنة خلت.
لم يكن عدد إجمالي الدفعات حينها كافيا، لتغطية حاجيات المدرستين الاثنتين الموجودتين حينئذ، فما بالك إن تضاعف عدد هذه المدارس؟
واعترى بعد ذلك، هؤلاء المكونون ما يعتري غيرهم من ترقيات وتقاعد، وأخيرا، من قضى منهم نحبه ومن ينتظر.
ولعل هذا من أهم الاختلالات التي ألقت بظلالها على التكوين الأولي للمعلمين، وأخيراً يأتي أحدهم ليقول لك: إن التكوين في الرمق الأخير.
نعم، لكن من المسؤول عن كل ذلك؟
وعلى من يقع هذا التدني الملحوظ في المستويات؟
صحيح أننا نتحمل جزءا من المسؤولية(كي لاتضيع في ظل تدافعها)،
تحمل بمثابة: “حمل بعير، وأنا به زعيم”.
لكن هناك من وقفوا حقيقة وراء ذلك، ولازالوا واقفين، وسيبقون- إن ظل الحال على ماهو عليه- لأنهم هم من ميعوا هذه المدارس وغيبوها وأفرغوها من محتواها والمهام المنوطة بها، لتبقى في ورطة، ناتجة عن الارتجال وغياب الاستراتيجيات، ينشئون مدارس جديدة لتكوين المعلمين.
نعم هو توجه نبيل، بل عليهم زيادتهم لتشمل كل ولاية – إن أمكن ذلك- لكن ماذا بعد؟
وماذا زودتموها به، من وسائل تربوية؟
مدارس بلا تجهيزات، لا برامج للتعليم الأساسي، لا جداول زمنية، لا كادر للتأطير، لا حتى بنية تربوية للتكوين.
المدارس الحديثة النشأة مكونة من ست حجرات، لا أكثر.
في حين أن أقل ما بجزئ منها اثنتا عشرة قاعة.
قاعة معلوماتية ومخابر لغوية خاوية على عروشها.
لا كتب للمعهد التربوي، أما عن دليل المعلم، فحدث ولا حرج.
ثم أن ميزانيات هذه المدارس بالكاد توفر تسييرا محترما لهذه المؤسسات، ولاتستفيد من مراجعات تراعي في الاعتبار الزيادات المفترضة لطاقمها، في ظل ما يحدث من زيادات مستجدة يحرمون منها عادة، بداعي الاستقلالية لتبقى امتيازاتها تراوح مكانها.
ثم مدارس تطبيق غير مناسبة، ولا تخضع للمعايير المطلوبة هي الأخرى.
كيف بربك في كل هذه الظروف أن يكون تكوينا نوعيا؟!
أضف إلى ما سبق ذلك الظلم البين الذي وقع على المكونين لأنهم وحدهم دون غيرهم، من يدرس من المهد إلى اللحد، في حين أن كل زملائنا من قطاعات التعليم- دون استثناء- يترقون في الوظائف من مدير إلى مستشار، إلى رئيس مصلحة أو مديرجهوي، أو مدير مركزي… يحدث كل ذلك دون علمنا، ودون أدنى نصيب منه، وكأننا لسنا من هذا العالم المسمى:
“وزارة التعليم الأساسي وإصلاح التهذيب”
أي غبن هذا؟!
وأي إنصاف هو؟!
نظل ونمسي قابعين في قمقم بين أربعة جدران نصيح ونخور، نثغو ونرغو، تدريسا وتأطيرا، أقلنا خدمة تربو على العقدين.
-إلى متى والحال على هذه الحال؟
حتى أن آخر علاوة منحت للتأطير حرمنا منها، ونحن من يقوم بذلك العمل وبشكل يومي.
لقد آن لكل المكونين، أن يدمجوهم في المعايير التي بدأت الوزارة تتبناهم على استحياء، ليجدوا نصيبهم من الترقيات في وزارتهم الملأى بالمناصب والوظائف الشاغرة، خاصة ما توفر منها في ظل الهيكلة الجديدة.
حتى ولو كلف ذلك خلوهم من الميدان، ليدفع ذلك بالوزارة إلى اكتتاب مكونين جدد ليطلعوا بالمهمة من جديد، ومواصلة حمل المشعل.
هذا إن كانت الوزارة جادة في ذلك ولها إرادته، وإلا فليريحوا منهم البلاد والعباد، لتنجلي الحقائق وتظهر الأمور على حقيقتها، ألا وهي “اختفاء السلك” كما يراد له أن يكون.
فيستريحون من التكوين والمكونين.
وتظهر التوجهات الرسمية تُجاههم دون رتوش، ويبين، حينئذ ماوراء الأكمة.
ويتنفس من يقفون وراء ذلك الصعداء.
إن العوائق، والتحديات جسام، لكن أكثر ما يدعو للعجب هو أن الكثير مما ذكر يمكن التغلب على بعضه، إن لم يكن كله، إن وجدت إرادة جادة للإصلاح، واستُشير أهل الشأن؛ وعُمل بمقتضى المشورة، وقديما قيل: “الرائد لا يكذب أهله”.
ويقول مالئ الدنيا وشاغل الناس:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنـقص الـقادرين على التمام.
أو لعل الموضوع يلخصه قول أحدهم:
ومن العـجائب والعـجائب جـمـة
قرب الشــفاء ومـا إلــيه وصـول
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والمـاء فـوق ظـهـورها مـحـمول.
ليتهم استشارونا! وعملوا بمقتضى المشورة؛ ثم انتظروا النتيجة.
لكن للأسف، “ما باليد حيلة”.
أخيرا لايسعني -قبل إنهاء هذا المقال- إلا أن أورد هنا نموذجا من أهل الإنصاف، -وما أقلهم هذه الأيام! والذين هم عزاؤنا- وعلى رأس هؤلاء الدكتور “التقي ولد الشيخ” في مداخلته الأخيرة في مؤتمر نقابة مكوني مدارس تكوين المعلمين، الأخير عن واقع المكون، حين يقول:(إذا كان للمعلم أن يفخر بأنه الشعلة التي تحترق من أجل أن تضيء للأجيال؛ ويقدم لهم في التعليم القاعدي كل معارفه ويضعها تحت تصرفهم؛ فإنه على مكوني مدارس تكوين المعلمين أن يفتخروا بأنهم من يعدُّ هذا المعلم؛ ويزوده بالمعارف والمهارات اللازمة؛ لتأدية رسالته التربوية؛ على حد قول أبي تمام:
إذا افــتخـرتْ يـوماً تـمــيمٌ بقـوسـها
وزَادَتْ عــلى مــا وَطَّـدَتْ مِن مَناقِبِ
فـأنـتمْ بـذي قـارٍ أمـالـتْ سـُيــُوفـكـمْ
عروشَ الذين استرهنوا قوسَ حاجب).
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد!
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.