قبل الغاز..نضبت ثروات وأفقر شعب / محمد ولد سيدي
مازالت موريتانيا رهينة نظرية جاك فوكار مستشار الرئيس الفرنسي المكلف بالمستعمرات الراحل شارل ديغول تشكيل دولة من أجل ب جبل الحديد وتحويلها الى دولة ريعية منجمية ‘١’ .
منذ خمسينيات القرن الماضي، مازال جبل الحديد شامخا ” كدية الجلد ” ومازال الشعب يعاني من فقر مدقع، قبل وبعد الإستعمار الفرنسي رغم تأميم الشركة الوطنية للصناعة والمعادن ” إسنيم ” التي لا تحسد على تردي أوضاعها المادية، ومشاكلها الفنية أكثر من أي وقت مضى.
لن تكون موريتانيا اسويسرا كما يحلم ساستها لسببين إثنين تدني المنتوج بشكل تدريجي في عملاق الأقتصاد الوطني والفساد الإداري فضلا عن الأتفاقيات الإستخراجية الطويلة المدى والشبه مجانية للشركات العابرة للحدود ، فمهما كان حجم المنتوج، وتعدد الثروات ، فإن تحقيق النهضة الشاملة يحتاج الى الحكامة الرشيدة ، وبالحكامة الرشيدة وحدها نهضت دول صغيرة الحجم، وأخرى كبيرة في عدة بلدان من العالم، بلا موارد إقتصادية أو بشرية ، ولكن بالخطط والإستراتيجيات الناجعة.
فكيف يستفيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من التجارب السابقة و مارافقها من أخطاء؟
على باب الثراء تسلم الرئيس غزواني الحكم تزامنا مع الإعلان عن الإكتشافات الهائلة لحقول الغاز على السواحل الموريتانية والموريتانية السنغالية من طرف كبريات الشركات الدولية BP و كوسوموس و توتال، نضبت بحيرات النفط، و قضت سفن الصيد الصينية والهولاندية على الأخضر واليابس حتى خمائل البحر ، وصخوره، طالها البوك ، واستنزفت ثراوتنا البحرية بشكل رهيب، وأصبح سعر كلغ السمك في بلاد السمك لايضاها بثمن ؛ وأستجلبت مليارات الدولارات للإستصلاح الزراعي، مازال الشعب يعاني من سوء التسيير، وتدني الخدمات، وارتفاع البطالة والمفارقة أن يساوي عدد عمال دولة بحجم أربعة ملايين نسمة عدد المترشحين ل3000 آلاف منصب شغل في النصف الثاني من سنة 2019م أي 78000 موظفا مابين رسمي و عقدوي مقابل 75000 مترشحا لإمتحانات الإدارة هذا دون الأخذ في الحسبان أولئك الذين لم تسعفهم الظروف في المشاركة أو الذين لم يكملوا ملفاتهم للترشح .
طبيعي أن يستفيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من تجارب الآخرين، إنطلاقا من المقولة الشائعة ” من الأخطاء نتعلم ” ، إلا أن التعلم، والنجاح مرهونان بقوة العزيمة و الإرادة القوية، فالعزيمة القوية تصنع بطلا قويا، والبطل القوي يصنع رجالا أقوياء، والرجال الأقوياء يصنعون مجتمعا قويا وخلاقا… فإذا تحققت هذه الأمنيات فإن الغاز لن يكون مثل السمك ؛ ولا الحديد، ولا الذهب؛ ، ولا النفط ، ولا الفوسفات ، ولا الزراعة ؛ ولا الملح …بل ستشيد الأبراج، و متروهات الأنفاق، و تقام الجسور العملاقة ، وتتحول نواكشوط، ونواذيبو، وعواصم الولايات الى مدن راقية، قادرة على احتضان أكبر التظاهرات الدولية، سواء في الأقتصاد، أو في الرياضة .
فيما يخص رجال أقوياء، فإنه يتوجب على الرئيس غزواني أن يأتي بطواقم جديدة، تمتاز بالكفاءة؛ سليمة من التحيز، تكره الغنى لذاتها، لا تؤمن إلا بالعمل، والجدية ، والإخلاص، بعيدة عن القبلية والجهوية و اللونية عندها يمكن للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن ينجح في تطبيقه مشروعه السياسي، ولكن عليه أن يدرك أيضا أن نافذين، ومتنفذين في العهود الماضوية لا يمكن الإعتماد عليهم في بلورة مشروع سياسي شامل، لأن بلدوزورات النهب لا يفقهون فلسفة البناء، ومسايرة الركب الحضاري، هم من كرسوا سياسة الغبن و الهيمنة والإقصاء ما نجم عنه تصدع في البنية الإجتماعية لتبقى موريتانيا رهينة السياسات الرعناء التي أفقرت المجتمع، ودمرت إقتصاده، وصدعت نسيجه الإجتماعي.
لذا على الرئيس غزواني- وهو يسعى للنجاح- أن يتحلى بقوة ” الإرادة ” ووضوح الرؤية، فما صرح به رجل الأعمال البارز محمد ولد انويكظ حول واقع الإقتصاد الوطني يبعث الى القلق وعلى وزير ماليته أن يصارح الرأي العام عن الحالة الأقتصادية ، فنحن في زمن الكشف والكشوف ولم يعد للكتمان من وجود البتة نظرا للتقدم العلمي و توفر آليات البحث والتفتيش.
أملنا أن يعكس الرئيس محمد ولد الغزواني تطلعات الشباب الموريتاني في التشغيل؛ والعمال في تحسين ظروفهم المتردية، و أن يحقق ثورة في الزراعة و التعليم والصحة و تطوير قطاع الخدمات، فتقدم أي دولة، وقوتها، ونفوذها واستقلاليتها لا يقاس بالأسس القديمة ، المعادن والزراعة والصناعة بل بتحسن قطاع الخدمات خاصة مع ظهور مايعرف حاليا بالأقتصاد الرقمي.